{ الخاتمة }
إنطلقت السيارة تحمل البروفيسور فرنسوا ومروان بسرعة كبيرة وكأن شياطين الأرض تطاردهما ,
وظل مروان على حالته من الذهول الصامت وكأ نه قد فقد النطق تماماً ,
بينما كان فرنسوا يحاول جاهداً أن يلملم شتات نفسه ويستعيد رباطة جأشه
وظلا على تلك الحال ما يقرب من نصف الساعة , وبدأ بعدها فرنسوا إبطاء سرعة السيارة حتى توقفت تماماً أمام إحدى تلك المقاهى المنتشرة على الطريق السريع , وطلب من مروان أن يهبطا لتناول مشروباً ساخناً يبعث الدفئ فى أوصالهما
فأطاعه مروان دون أن ينطق بكلمة , وعندما إنفردا بمنضدة بعيدة عن أذان المتطلفلين , طلب البروفيسور قدحين من الشيكولاتة الساخنة ,
ورشف فرنسوا رشفة من المشروب الساخن وقال لمروان
> أعلم جيداً أن تلك التجربة كانت فوق طاقة إحتمالك , ولكن لك أن تحمد الله اننا قد خرجنا منها سالمين , فما كان لأحد أن يعلم ما يمكن أن يحدث لنا فى هذا المنزل الملعون ؟
إرتشف مروان رشفة هو الآخر وقال بصوت واهن متعب
> أعتقد يا سيدى إنك لديك الكثير الذى تود أن تخبرنى به ؟ على الأقل تفسر لى تلك الجريمة البشعة التى أرتكبناها فى حق تلك الفتاة المسكينة ؟ التى تحولت فى لحظات إلى كومة من الرماد المحترق ؟
> نعم بالطبع , فأنا مدين لك بتفسير كل ما حدث اليوم , ولكنى كنت أظنك أكثر ذكاءاً من هذا , بالدرجة التى تجعلك تدرك أن الفتاة إستحقت عن جدارة كل ما حدث لها .
> ماذا تقول يا سيدى ؟ أرجوك أن توضح أكثر ؟
> يابنى لقد ارادت تلك الفتاة أن تمتطى ظهورنا لتحقيق رغبتها الشيطانية فى أن تكون الخليفة القادمة للساحرة أولجا سباستيان , مهلاً لا تنزعج هكذا , فتلك هى الحقيقة التى أدركتها أنا منذ البداية , فلقد بدأ الشك يساورنى تجاه تلك الفتاة منذ أن رأيت تلك النظرة الشيطانية التى إرتسمت للحظات فى عينيها عندما رأت تلكما الرقاقتين من الجلد اللتين كانتا تحويان الطلسم الأعظم , فلم تكن تلك النظرة أبداً نظرة إنسان يريد أن يقضى على هذا الشر العظيم , بل كانت نظرة نهم شرهه وكأنها بحاراً قد عثر على خريطة الكنز المفقود ,
> ولهذا السبب فقد رفضت أن تعطيها الرقاقتين ؟ أليس كذلك ؟
> نعم بالطبع , فكان لابد لى أولاً أن أتيقن ويطمئن قلبى للطريق الذى ستسير فيه تلك الطلاسم المرعبة , وقد زاد شكى فيها عندما وجدت تلك النظرة فى عينيها عندما خبأت الرقاقتين فى الدرج , وأدركت هى أنها لن تحصل عليهما , ثم بعد ذلك بدا لى كذبها فى بعض النقاط الحيوية مثلاً فى أثناء ظهور تلك الروح الجبيثة فى القاعة تلك الليلة التى قامت فيها السيدة لورا مارتينى بتجربة تحضير الأرواح , فقد قالت أنها حضرت خصيصاً وساعدت على ظهور تلك الروح , لكى تقضى عليها , فى نفس الوقت الذى قالت فيه أن القضاء عليها يستلزم طقوساً وترنيمات معينة لم تكن تملكها فى هذا الوقت , فكيف لها إذاً أن تفعل ؟ وإن كنت أظن أن هناك صفقة ما قد تمت بينها وبين تلك الروح الشريرة عندما هرولنا نحن خارج القاعة وإنفردت هى بها , وتلك الصفقة هى أن تحل محل أولجا سباستيان ,
>سيدى .. إن ما تقوله غاية فى الخطورة , ولا يكفى التخمين لكى تقطع به ,
> إنه ليس تخميناً يا مروان , ولكنه منطق , ولكن دعك من تلك النقطة , فقد عادت لتكذب مرة أخرى عندما أخبرتنى أنها قد قامت بحرق المخطوط الذى يحوى بروتكولات الإستحواذ , وهذا ما يتنافى مع أبسط قواعد العقل والمنطق ,فكيف لشخص ما يسعى لتحقيق هدف ما بإستخدام هذا المخطوط حتى ولو كان ناقصاً ؟ ثم يقوم بإحراقه قبل أن يحقق هذا الهدف بدعوى أنها قد حفظت ما به عن ظهر قلب , وكانت الكلمة الفاصلة فى كل تلك الشكوك والتى حولتها لدى إلى يقين , عندما صافحتنى وهو تزمع الإنصراف , فقد رأيت فى إصبعها خاتماً أعلم كنهة تماماً , ذلك الخاتم الذى يحمل نقشاً يمثل فرجاراً مدبب الطرفين وقاعدته لأسفل ويتقاطع مع حرف V المدرجة وبينهما أحد الحروف الأبجدية التى توضح رتبة صاحب الخاتم , إنه رمز الماسونية العالمية , وكان واضحاً من الرمز انها تتبوأ مركزاً هاماً فى هذه المنظومة , تلك المنظومة صاحبة الأفكار الجميلة ظاهراً والشيطانية باطناً , ولهذا فقد تأكدت وتيقنت من هدف تلك الفتاة , فما كان لإنسان يعتنق الفكر الماسونى الشيطانى , ثم يسعى لمحاربة الشيطان نفسه , ولهذا فأنا لا أستبعد مطلقاً أن تكون تلك الفتاة قد إنتزعت أسرار المخطوط المسمى ( ترنيمة الخلود ) إنتزاعاً من جدتها هيلينا , التى حرصت وكانت مخلصة فى حفظ هذا السر لمدة سنوات طويلة , ولا أستبعد ايضاً أن تكون قد قتلتها بعد هذا بطريقة أو بأخرى , فمن يعتنق هذا الفكر الشيطانى , فتوقع منه كل ما هو فظيع ,
> ولكن , لماذا أرادت إستخدامنا نحن دون غيرنا فى تحقيق هذا الهدف الذى كانت تسعى إليه ؟ فقد كان فى مقدورها الحصول على الرقاقتين بطريقة أو بأخرى حتى لو إرتكبت جريمة ؟
> يا ولدى , إن مثل تلك الفتاة غاية فى الذكاء , ولقد أدركت على الفور أننى قد علمت بخطور تلك الطلاسم , وتيقنت إننى لن أعطيها لها بهذه البساطة , وفى نفس الوقت قد اخفيهما فى مكان لا يمكنها الوصول إليه , فتبدأ رحلة البحث من جديد عنها , ولهذا فربما قالت فى نفسها ؟ لماذا لا أتخذ هما مطية لتحقيق هدفى , وبعد ذلك يسهل التخلص منهما نهائياً خاصة وأنها كانت تعلم أننا لا نعرف تفسير تلك الطلاسم , ومن ناحية المنطق كان هذا الحل أسلم لها ,فربما إن كانت إستعانت بأحد أخر ربما كان يعلم سر تلك الطلاسم ؟ وإحتكرها لنفسه او قضى عليها مثلما حدث الآن ؟
> يالها من فكرة شيطانية ؟ ولولا كنت أنت ياسيدى متنبهاً لها منذ البداية ؟ لكنا الآن قد قدمنا إلى هذا العالم باقة من أفخم أنواع الشرور فى هذه الدنيا , ولكنك يا سيدى لم تخبرنى كيف حدث ما حدث ؟ وما تلك الورقة الأخرى التى أخرجتها من جيبك وقرأت ما فيها وأدى إلى أن يحدث ما حدث ؟
أطلق البروفيسور ضحكة خافته وإرتشف ما تبقى فى قدحة من الشيكولاتة وقال
> لا تنسى يا مروان إنك قد ساعدت على ذلك ؟ بما ترنمت بها بعد أن ألقيت الورقة التى كانت فى يدك , واظن أنك كنت تردد قرآناً ؟ أليس كذلك ؟
> بلا يا سيدى , إنها بعض الآيات القرآنية التى نجابه بها مثل تلك المواقف , ولكن أوتؤمن بالقرأن يا سيدى ؟
> أنا أؤمن بالإيمان ذاته يا مروان , فيكفى أن يكون الإنسان مؤمناً بشئ ما مخلصاً فى إيمانه هذا , فهذا كفيل بالوصول بك إلى غايتك السامية التى تسعى إليها , على كل حال , فبعد تلك الزيارة المفاجأة من تلك الفتاة , وبعد أن تيقنت من سوء نواياها , فقد قررت التحرك بسرعة , ولهذا فقد طلبت مهلة قبل تنفيذ تلك المهمة , وأسرعت فى جلب المعلومات , والإتصال بكل من لى علاقة بهم , وخاصة فى جامايكا , حيث عاشت تلك الفتاة معظم سنون عمرها , وكانت الحصيلة التى حصلت عليها من المعلومات كافية لأن تؤكد كل ظنونى , فقد نشأت تلك الفتاة فى أحضان السحر والدجل والشعوذة التى تنتشر بصورة كبيرة فى جامايكا , فمنذ صباها ألقت بنفسها بين أحضان ساحرة شهيرة هناك وفى ظل غياب الرقيب , بوفاة والدتها وهى فى سن مبكرة ثم هجر والدها لها , فنشأت فى كنف جدتها التى كانت قد بلغت سناً لا يمنحها القوة لمواجهة جموح تلك الفتاة , وبعد ان إنضمت إلى إحدى المنظمات الماسونية فى جامايكا فقد حققت ترقيات سريعة بسبب نشاطها وإخلاصها لأهداف تلك المنظمة , وبعد أن حصلت على هذا السر والمخطوط , عادت إلى أرض أجدادها فرنسا , لتسعى وراء بقية هذا السر لتحقق الهدف الأكبر بالنسبة لها , هذا من ناحية المعلومات , بينما من ناحية أخرى كنت على يقين من أن هذا المخطوط الخطير فى حوزتها , ولهذا فقد كلفت أحد أصدقائنا من ذوى القدرات الخاصة , بإقتحام بيتها فى غيابها والبحث عن هذا المخطوط ومحاولة تصويرة فوتوغرافيا , وقد نجح فى هذا بالفعل , وكانت المفاجأة الكبرى عندما عكفت على دراسة هذا المخطوط جيداً مستعيناً بكل ما لدى من خبرات , وبكل ما لدى من مراجع ومخطوطات تتحدث عن السحر والطلاسم , إستطعت أن أفك شفرات هذا المخطوط وتوصلت إلى حقيقة مذهلة , فقد تبين لى أن سر الإستحواذ يكمن فى الرقاقتين معاً , على أن يتم تلاوتهما بتتابع منتظم , يتخلله ما رددته تلك الفتاة من ترنيمات أثناء تلك المراسم , أما الورقة الثانية التى كانت بحوذتك والتى إدعت أنها تحمل تعويذة القضاء على هذه الروح , فقد تبين لى أنه لو تم قراءتها بعكس إتجاهاها أى من اليمين إلى اليسار وليس من اليسار إلى اليمين , فإنها تفعل ما فعلته الليلة , وكان هذا هو السر الأكبر الذى إستطعت الحصول عليه , ولقد عكفت ليلة كاملة لكى أعيد كتابة تلك الحروف والطلاسم بطريقة معكوسة وبكل دقة , وضمنتها تلك الورقة التى كانت بجيبى , وفى الوقت المناسب قمت بإلقاء تلك الترنيمة المعكوسة , ونشكر رب السموات أنها كانت ناجعة وقامت بدورها بالفعل ,
> يالك من رجل ذكى أريب يا سيدى , دعنى إنحنى لك إحتراماً وتقديراً ,
أطلق البروفيسور ضحكة مرحة وربت على كتف مروان , وقال له
> ألم تشعر بالتعب بعد يا رجل ؟ أنى أكاد أسقط مغشياً على من فرط التعب ؟ هيا بنا نعود إلى منازلنا للحصول على قدر من الراحة
> أنت على حق يا سيدى , ولكن هناك سؤال أخير , ماذا كان مصير تلك المخطوطة ( ترنيمة الخلود ) وكذلك تلكما الرقاقتان اللتان تحملان الطلسم الأكبر ؟
أطلق البروفيسور ضحكة مدوية
ولكنه لم يُجيب على هذا السؤال إبداً
تمت بحمد الله تعالى