{ 4 }
وهنا نهضت السيدة لورا مارتينى بكبرياء يتناسب مع مكانتها التى حظيت بها فى فرنسا والعديد من دول العالم , وكانت لورا قد تخطت الخمسين من عمرها بقليل وإن كان وجها يحمل ملامح إمرأة فى الأربعينات , ورغم ان ملامحها لم تكن تحمل الكثير من الحسن ولكن بها الكثير من الجاذبية خاصة عندما تعقد ما بين حاجبيها لتبدو وكأنها تفكر فى عمق فكان هذا يعطيه طابعاً من الغموض والجاذبية ,
وأشارت لورا إلى إمرأة اخرى تجلس بين بقية الأعضاء وكانت تقاربها فى العمر تقريباً وأن كانت اقصر منها قامة وأكثر منها وزناً فبدت وكأنها كرة ضخمة تتدحرج فوق الأرض , وجلست تلك السيدة فوق مقعد على الجانب الأيمن من القاعة بينما وقفت السيدة لورا مارتينى إلى جانبها وأشارت إلى مروان قائلة
= هل تحب أن ترشح روحاً معينة لتحضيرها ؟ فإذا كنت ترغب فى ذلك فعليك كتابة بيانات تلك الشخصية مثل إسمها وتاريخ وفاتها ومكانه ؟ وإما أن تترك المجال لغيرك للإختيار ؟
وبرغم أن مروان كان بداخله يشعر أنه يجلس فى خيمة أحد الحواة فى مولد من الموالد التى لا حصر لها فى مصر , إلا أنه اراد أن يكمل اللعبة للنهاية , وخشى لو أنه ترك المجال لغيره أن يختار , فيكون الإختيار مرتباً من قبلهم , فتفوت عليه فرصة النيل منهم وكشف حيلهم وألاعيبهم , ولهذا فقد قام بكتابة إسم والدته التى توفيت منذ عدة سنوات فى القاهرة وبيانتها التى طلبتها لورا وقدمها لها ,
وبعد ان قرأتها جيداً وقفت امام تلك المرأة السمينة والتى أدرك مروان أنها ستقوم بدور الوسيط ,
وأخذت لورا تحدق فى عينى الوسيط بقوة وهى تتحدث إليها بكلمات هامسة حتى سقطت رأس الوسيط إلى الخلف وكأنها قد غفت فجأة , وهنا إبتعدت عنها لورا عدة خطوات الى الخلف وهى تصيح بها فى صوت أمر قوى النبرة
= انت الأن تحت سيطرتى الكاملة . وسوف تطعين كل ما أمليه عليك ,
وأخذت لورا تترنم ببضع كلمات غير مفهومة وبتتابع منتظم ويعلوا صوتها رويداً رويداً ثم أشارت بيديها إلى أعلى وهى تدعو الروح المطلوبة بالحضور فوراً خلال جسد الوسيط ,
ومرت لحظات رهيبة والكل ينظر إلى الوسيط الجالسة فوق المقعد وكأنها قدت من صخر وما زالت فى ثباتها التى كانت عليه ولم تحرك ساكناً . ومرت دقائق أخرى دون أن يتغير الحال .
وهنا بدت نظرات قلق فى عينى الحضور وعلى الأخص فرنسوا بينما تعالت إبتسامة ساخرة فوق شفتى مروان والذى قال بلهجة متهكمة ,
= يبدو يا سيدتى أنك تتحدثين غلى روح والدتى باللغة الفرنسية التى لا تفقه منها حرفاً واحداً , فلماذا لا تحدثينها باللغة التى تفهمها ؟ فربما رفقت بك وحلت بجسد وسيطك ؟
= إخرس أيها الأحمق الجاهل ... أنت لا تعلم أى شئ عن عالم الأرواح أيها التافه , عالم الأرواح ليس له أى علاقة بما تتحدث عنه ؟
هكذا إنطلق صوت السيدة لورا مارتينى هادراً غاضباً ربما لتفرغ شحنة القلق التى اصابتها نتيجة فشل تجربتها الاولى فى تحضير تلك الروح , وإنكمش مروان صامتاً فقد شعر أنه قد تجاوز حدوده هذه المرة , وقد يحدث له ما لا يحمد عقباه إذا إستمر على تلك الحالة من السخرية والتكذيب , فآثر الصمت حتى تمر الليلة على خير ,
بينما اعادت لورا مارتينى نفس الطقوس مرة أخرى ولكن لم تكن تلك المحاولة الأخيرة أفضل من سابقتها ,
وهنا بدا قلق حقيقى على وجه لورا والبروفيسور , قلق مبهم بسبب نتيجة غير متوقعة على الإطلاق , بينما سرت همهمات دهشة بين الأعضاء , وأدرك مروان ان هناك شئ ما يحدث , فلو كانوا فعلاً يريدون خداعة فما كان اسهل عليهم من أن يفبركوا أى قصة , ولكن ما دامت التجربة قد فشلت فلابد أن هناك أمرٌ ما غير منطقى فى الموضوع ,
وإلتقت نظرات لورا بنظرات فرنسوا وأشارت الاولى بيدها وكأنها تقول , لا أعرف ماذا حدث , وساد جو من التوتر بين جدران القاعة ,
وفجأة تعالت اصوات وهمهمات الأعضاء مما دعا الجميع يوجهون نظراتهم إلى حيث ينظرون , حيث كانت تجلس تلك المرأة السمينة والتى كانت تقوم بدور الوسيط ,
وهنا بدا على وجه الوسيط تشنجات عجيبة وأخذت ملامح وجهها تتبدل على نحو بشع وترتسم عليها ملامح شيطانية بينما كان جسدها ينتفض بشدة وكأن هناك ألاف الحيات تحيط بها وتلدغها فى قسوة , وظلت على تلك الحالة تتلوى على مقعدها والزبد يخرج من شدقيها حت سقطت على الأرض وجسدها يتشنج فى عنف ,
فى الوقت الذى وقف الجميع ينظر إليها فى ذهول دون أن يتحرك أحدهم قيد أنملة ,فقد بدا المشهد رهيب ومرعب إلى أقصى حد ,
وفى لحظات الذهول تلك وعلى حين غرة , إنتفض جسد الوسيط وكأنها فتاة رشيقة فى العشرين من عمرها ووقفت على قدميها وكانت ملامحها قد تبدلت تماماً وكأن هناك شيطاناً قد تلبسها وتحولت قسمات وجهها إلى صورة بشعة لا تمت لملامحها الأصلية بشئ
وإنطلقت من حنجرتها صيحة رهيبة وكأنها صوت ألاف الشياطين يأتى من أغوار الجحيم
إنتظرونا